اخبار

وداعاً قريتي 

وداعاً قريتي 

بقلم / السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر ٠

كم كنتي جميلة ، وارفة الظلال و الطبيعة و صوت السواقي و رقص سنابل القمح الذهبية و صوت الدجاج و الأوز وكركرة الرومي ، و صياح الديكة و زقزقة العصافير ، دخان الفرن البلدي حيث العيش و الفطير ، و المش و الجبن القديم ٠٠

الجميع يتقاسم الأفراح و الأحزان، و أي مشكلة و نزاع تحل على المصطبة أو في المندرة مسافة كوب شاي مغلي حيث قرار كبير كل عائلة ينفذ لا شرطة و لا محكمة و الصلح خير مبدأ من أساسيات القرية ٠

الكل يتبادل الألبان و القشطة و المحاصيل و الحبوب و الخضار و كوز الذرة الأخضر المشوي و البطاط و الفول دون مقابل ، و الذي عنده يفيض على الذي لا يملك حتى يستوفي فيرد مرة أُخرى تبادل و تكامل المنفعة خصلة و سجية موروثة ٠

هدف القرية واحد و اتجاهها معلوم حتى في الانتخابات قلب رجل واحد عن قناعة مفاتيح العائلات كلمة سيف في الوعد على رقاب أهلها لا خيانة و لا مساومة ٠٠

و الكرم و الشجاعة و المشاركة الفعالة عنوانها و عند الشدائد لا يتخلف فرد و يظهر ذلك جليا في المواقف في أي أزمة و خطر ، الكل ينام بعد العشاء و يستيقظ مع الفجر مبكرا إيمانا بالرزق و بركة البكور الكل يصح و يتناول الفطور و لمة الطبلية و الحوار الدافىء و المناقشة و الأب ينقل للأولاد تجارب الحياة و يحذر من المشاكل و الانحراف و التمسك بالفضيلة ٠٠

و الجرن عامر بالأولاد و لا سيما في الليالي القمرية و المواسم و المناسبات ٠٠

احترام سائد بين الكبير و الصغير ، لا أحد يدخن أمام الناس و لا يضع ساق على ساق في أي جلسة و لا يرفع الأصوات كل شيء له حساب و الحياء هو الفيصل ٠٠

حتى البنات لا تمر ماشية أمام الرجل تفرقع بالقبقاب و لا تكشف شعرا و لا فستان قصير حشمة و عفاف ٠٠

اليوم أمام العولمة و التكنولوجيا و التواصل الاجتماعي فقدنا كل مظاهر تلك الحياة البسيطة الهادئة وسط التطاول و الاختلافات الديني و السياسي و تفشي أمور دخيلة علينا جميعا ٠

 و الطعن في نوايا الناس من الأقارب و الأصحاب و الجيران ، بل و الهمجية و الفوضى و البخل و المكر و تسيب سلبي و تفريط في حق القرية الآمنة التي كنا نعرفها و نعشقها بالأمس القريب ٠٠

و تفشت بعض الظواهر الدخيلة علينا شكلا و مضمونا لها الآثار التي تقضي على الباقية البقية ٠

للأسف كل حاجة تغيرت و لم يعد لها طعم أو ذوق ريفي كانت المدينة الفاضلة تحسدنا على هذه النعمة و الأمن و الأمان حوادث في كل شارع و بيت و مشاجرة و خصام صلة الأرحام مقطع و الحقد و الحسد و الغل و الأنانية بالمرصاد إلا ما رحم ربي ٠٠!٠

و ننوه بأن الارتباط في كافة التعاملات بمجرد إعطاء وعد و ” كلمة ” في أي إتفاق بين طرفين ملزمة و أقوى من الشيك البنكي ٠

و حقيقي الكل هنا بيخاف على بعض ليست أقوال مزيفة و شعارات ٠٠

أيه يا قريتي ما دهاك ِ لا أنت ِ قرية و لا مدينة ، فقد أمسيتي فاقدة للذاكرة و الهوية ، ماذا نفعل أمام هذه التحديات و المعوقات نصمت أم نهاجر نحو المدينة في مجتمعات جديدة ننسى تاريخنا و أجدادنا و نتعامل صفحة بيضاء ؟! 

وداعاً قريتي 

لكن بالتأكيد سوف تدور الأيام و الأحوال و تتكرر المأساة تارة أُخرى و تنمو الأُسر و تشكل نفس الفسلفة السابقة أيضا ٠

و على الله قصد السبيل ٠

وداعاً قريتي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى